فصل: باب الدفن ليلًا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب من أين يدخل الميت قبره وما يقال عند ذلك والحثي في القبر

1 - عن أبي إسحاق قال‏:‏ ‏(‏أوصى الحارث أن يصلي عليه عبد اللَّه بن يزيد فصلى عليه ثم أدخله القبر من قبل رجلي القبر وقال‏:‏ هذا من السنة‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وسعيد في سننه وزاد ثم قال‏:‏ ‏(‏أنشطوا الثوب فإنما يصنع هذا بالنساء‏)‏‏.‏

2 - وعن ابن عمر‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ كان إذا وضع الميت في القبر قال بسم اللَّه وعلى ملة رسول اللَّه‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏وعلى سنة رسول اللَّه‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا النسائي‏.‏

3 - وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى على جنازة ثم أتى قبر الميت فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثًا‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

الحديث الأول سكت عنه أبو داود المنذري والحافظ في التلخيص ورجال إسناده رجال الصحيح‏.‏ ـ وفي الباب ـ عن ابن عباس عند الشافعي‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم سل من قبل رأسه سلًا‏)‏ وعن ابن عمر عند أبي بكر النجاد مثله‏.‏ وعن أبي رافع عند ابن ماجه قال‏:‏ ‏(‏سل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم سعد بن معاذ سلًا ورش على قبره الماء‏)‏ وأما الزيادة التي زادها سعيد فسيأتي الكلام فيها‏.‏

والحديث الثاني أخرجه أيضًا ابن حبان والحاكم ـ وفي الباب ـ عن ابن عمر عند النسائي والحاكم وغيرهما وفيه الأمر به وقد اختلف في رفعه ووقفه ورجح الدارقطني والنسائي الوقف ورجح غيرهما الرفع وقد رواه ابن حبان من طريق سعيد عن قتادة مرفوعًا وروى البزار والطبراني عن ابن عمر نحوه وابن ماجه عنه مرفوعًا وفي إسناده حماد بن عبد الرحمن الكلبي وهو مجهول‏.‏ وعن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه عند الطبراني قال‏:‏ قال لي اللجلاج‏:‏ يا بني إذا أنا مت فألحدني فإذا وضعتني في لحدي فقل بسم اللَّه وعلى ملة رسول اللَّه ثم شن عليَّ التراب شنًا ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها فإني سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول ذلك‏.‏ واللجلاج بجيمين وفتح اللام الأولى‏.‏ وعن أبي حازم مولى الغفاري حدثني البياضي وهو صحابي كما في الكاشف وغيره عند الحاكم يرفعه بلفظ‏:‏ ‏(‏الميت إذا وضع في قبره فليقل الذين يضعونه حين يوضع في اللحد بسم اللَّه وباللَّه وعلى ملة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏ وعن أبي أمامة عند الحاكم والبيهقي بلفظ‏:‏ ‏(‏لما وضعت أم كلثوم بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في القبر قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى بسم اللَّه وفي سبيل اللَّه وعلى ملة رسول اللَّه‏)‏ الحديث وسنده ضعيف كما قال الحافظ‏.‏ والحديث الثالث قال أبو حاتم في العلل‏:‏ هذا حديث باطل وقال الحافظ‏:‏ إسناده ظاهر الصحة قال ابن ماجه‏:‏ حدثنا العباس بن الوليد حدثنا يحيى بن صالح حدثنا سلمة بن كلثوم حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكره ورجاله ثقات وقد رواه ابن أبي داود من هذا الوجه وصححه‏.‏ قال الحافظ‏:‏ لكن أبو حاتم إمام لم يحكم عليه بالبطلان إلا بعد أن تبين له وأظن العلة فيه عنعنة الأوزاعي وعنعنة شيخه وهذا كله إن كان يحيى بن صالح هو الوحاظي شيخ البخاري‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن عامر بن ربيعة عند البزار والدارقطني قال‏:‏ ‏(‏رأيت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم حين دفن عثمان بن مظعون صلى عليه وكبر عليه أربعًا وحثى على قبره بيديه ثلاث حثيات من التراب وهو قائم عند رأسه‏)‏ وزاد البزار‏:‏ ‏(‏فأمر فرش عليه الماء‏)‏ قال البيهقي‏:‏ وله شاهد من حديث جعفر بن محمد عن أبيه مرسلًا رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن جعفر‏.‏ وعن أبي المنذر عند أبي داود في المراسيل‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم حثى في قبر ثلاثًا‏)‏ قال أبو حاتم في العلل‏:‏ أبو المنذر مجهول‏.‏ وعن أبي أمامة عند البيهقي قال‏:‏ توفي رجل فلم تصب له حسنة إلا ثلاث حثيات حثاها على قبر فغفرت له ذنوبه‏.‏ وعن أبي هريرة غير حديث الباب عند أبي الشيخ مرفوعًا‏:‏ ‏(‏من حثى على مسلم احتسابًا كتب له بكل ثراة حسنة‏)‏ قال الحافظ‏:‏ إسناده ضعيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال هذا من السنة‏)‏ فيه وفيما قدمنا دليل على أنه يستحب أن يدخل الميت من قبل رجلي القبر أو موضع رجلي الميت منه عند وضعه فيه وإلى ذلك ذهب الشافعي وأحمد والهادي والناصر والمؤيد باللَّه وقال أبو حنيفة‏:‏ أنه يدخل القبر من جهة القبلة معرضًا إذ هو أيسر وإتباع السنة أولى من الرأي‏.‏

وقد استدل لأبي حنيفة بما رواه البيهقي من حديث ابن عباس وابن مسعود وبريدة أنهم أدخلوا النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم من جهة القبلة ويجاب بأن البيهقي ضعفها‏.‏ وقد روى عن الترمذي تحسين حديث ابن عباس منها وأنكر ذلك عليه لأن مداره على الحجاج بن أرطأة قال في ضوء النهار‏:‏ على أنه لا حاجة إلى التضعيف بذلك لأن قبر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان عن يمين الداخل إلى البيت لاصقًا بالجدار والجدار الذي ألحد تحته هو القبلة فهو مانع من إدخال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم من جهة القبلة ضرورة انتهى‏.‏ قال في البدر المنير بعد أن ذكر أنه أدخل صلى اللَّه عليه وآله وسلم من جهة القبلة‏:‏ وهو غير ممكن كما ذكره الشافعي في الأم وأطنب في الشناعة على من يقول ذلك ونسبه إلى الجهالة ومكابرة الحس انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم قال أنشطوا الثوب‏)‏ بهمزة فنون فشين معجمة فطاء مهملة أي اختلسوه ذكر معناه في القاموس وقد أخرج نحو هذه الزيادة يوسف القاضي بإسناد له عن رجل عن علي‏:‏ ‏(‏أنه أتاهم وهم يدفنون قيسًا وقد بسط الثوب على قبره فجذبه وقال‏:‏ إنما يصنع هذا بالنساء‏)‏ والطبراني عن أبي إسحاق أيضًا أن عبد اللَّه بن يزيد صلى على الحارث الأعور وفيه ثم لم يدعهم يمدون ثوبًا على القبر وقال هكذا السنة وقد رواه ابن أبي شيبة من طريق الثوري عن أبي إسحاق بلفظ‏:‏ ‏(‏شهدت جنازة الحارث فمدوا على قبره ثوبًا فجذبه عبد اللَّه بن يزيد وقال‏:‏ إنما هو رجل‏)‏ ورواه البيهقي بإسناد صحيح إلى أبي إسحاق السبيعي أنه حضر جنازة الحارث الأعور فأمر عبد اللَّه بن يزيد أن يبسطوا عليه ثوبًا‏.‏ قال الحافظ‏:‏ لعل الحديث كان فيه فأمر أن لا يبسطوا فسقطت لا أو كان فيه فأبى بدل فأمر‏.‏ وروى البيهقي من حديث ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏جلل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قبر سعد بثوبه قال البيهقي‏:‏ لا أحفظه إلا من حديث يحيى بن عقبة بن أبي العيزار وهو ضعيف‏.‏ وروى عبد الرزاق عن الشعبي عن رجل أن سعد بن مالك قال‏:‏ أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فستر على القبر حتى دفن سعد بن معاذ فيه فكنت ممن أمسك الثوب وفي إسناده هذا المبهم‏.‏ وقد أوله القائلون باختصاص ذلك بالمرأة على أنه إنما فعل صلى اللَّه عليه وآله وسلم ذلك بقبر سعد لأنه كان مجروحًا وكان جرحه قد تغير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال بسم اللَّه‏)‏ الخ فيه استحباب هذا الذكر عند وضع الميت في قبره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من قبل رأسه‏)‏ فيه دليل على أن المشروع أن يحثى على الميت من جهة رأسه ويستحب أن يقول عند ذلك ‏{‏منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى‏}‏ ذكره أصحاب الشافعي‏.‏ وقال الهادي‏:‏ بلغنا عن أمير المؤمنين كرم اللَّه وجهه أنه كان إذا حثى على ميت قال اللَّهم إيمانًا بك وتصديقًا برسلك وإيقانًا ببعثك هذا ما وعد اللَّه ورسوله وصدق اللَّه ورسوله ثم قال من فعل ذلك كان له بكل ذرة حسنة‏.‏

 باب تسليم القبر ورشه بالماء وتعليمه ليعرف وكراهة البناء والكتابة عليه

1 - عن سفيان التمار أنه‏:‏ ‏(‏رأى قبر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مسنمًا‏)‏‏.‏

رواه البخاري في صحيحه‏.‏

2 - وعن القاسم قال‏:‏ ‏(‏دخلت على عائشة فقلت‏:‏ يا أمة باللَّه اكشفي لي عن قبر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وصاحبيه فكشفت له عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

الرواية الأولى أخرجها أيضًا ابن أبي شيبة من طريق سفيان المذكور وزاد وقبر أبي بكر وقبر عمر كذلك‏.‏ وكذلك أخرجه أبو نعيم وذكر هذه الزيادة التي ذكرها ابن أبي شيبة‏.‏ والرواية الثانية أخرجها أيضًا الحاكم من هذا الوجه وزاد‏:‏ ‏(‏ورأيت قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم مقدمًا وأبو بكر رأسه بين كتفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وعمر رأسه عند رجل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن صالح بن أبي صالح عند أبي داود في المراسيل قال‏:‏ ‏(‏رأيت قبر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم شبرًا أو نحو شبر‏)‏ وعن عثيم بن بسطام المديني عند أبي بكر الآجري في كتاب صفة قبر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏رأيت قبره صلى اللَّه عليه وآله وسلم في إمارة عمر بن عبد العزيز فرأيته مرتفعًا نحوًا من أربع أصابع ورأيت قبر أبي بكر وراء قبره ورأيت قبر عمر وراء قبر أبي بكر أسفل منه‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مسنمًا‏)‏ أي مرتفعًا‏.‏ قال في القاموس‏:‏ التسنيم ضد التسطيح وقال سطحه كمنعه وبسطه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا لاطئة‏)‏ أي ولا لازقة بالأرض‏.‏

وقد اختلف أهل العلم في الأفضل من التسنيم والتسطيح بعد الاتفاق على جواز الكل‏.‏ فذهب الشافعي وبعض أصحابه والهادي والقاسم والمؤيد باللَّه إلى أن التسطيح أفضل واستدلوا برواية القاسم بن محمد بن أبي بكر المذكورة وما وافقها قالوا وقول سفيان التمار لا حجة فيه كما قال البيهقي لاحتمال أن قبره صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يكن في الأول مسنمًا بل كان في أول الأمر مسطحًا ثم لما بُنِيَ جدار القبر في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك صيروها مرتفعة وبهذا يجمع بين الروايات ويرجح التسطيح ما سيأتي من أمره صلى اللَّه عليه وآله وسلم عليًا أن لا يدع قبرًا مشرفًا إلا سواه‏.‏ وذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد والمزني وكثير من الشافعية وادعى القاضي حسين اتفاق أصحاب الشافعي عليه ونقله القاضي عياض عن أكثر العلماء أن التسنيم أفضل وتمسكوا بقول سفيان التمار والأرجح أن الأفضل التسطيح لما سلف‏.‏

3 - وعن أبي الهياج الأسدي عن علي قال‏:‏ ‏(‏أبعثك على ما بعثني عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا تدع تمثالًا إلا طمسته ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن الهياج‏)‏ هو بفتح الهاء وتشديد الياء واسمه حيان بن حصين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تدع تمثالًا إلا طمسته‏)‏ فيه أمر بتغيير صور ذوات الأرواح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته‏)‏ فيه أن السنة أن القبر لا يرفع رفعًا كثيرًا من غير فرق بين من كان فاضلًا ومن كان غير فاضل‏.‏ والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم وقد صرح بذلك أصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك والقول بأنه غير محظور لوقوعه من السلف والخلف بلا نكير كما قال الإمام يحيى والمهدي في الغيث لا يصح لأن غاية ما فيه أنهم سكتوا عن ذلك والسكوت لا يكون دليلًا إذا كان في الأمور الظنية وتحريم رفع القبور ظني ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث دخولًا أوليًا القبب والمشاهد المعمورة على القبور وأيضًا هو من اتخاذ القبور مساجد وقد لعن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فاعل ذلك كما سيأتي وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر فجعلوها مقصدًا لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم وشدوا إليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا وبالجملة إنهم لم يدعوا شيئًا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه فإنا للَّه وإنا إليه راجعون ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب للَّه ويغار حمية للدين الحنيف لا عالمًا ولا متعلمًا ولا أميرًا ولا وزيرًا ولا ملكًا وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيرًا من هؤلاء المقبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف باللَّه فاجرًا فإذا قيل له بعد ذلك احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي رزء للإسلام أشد من الكفر وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير اللَّه وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن هذا الشرك البين واجبًا‏:‏

لقد أسمعت لو ناديت حيًا * ولكن لا حياة لمن تنادي

ولو نارًا نفخت بها أضاءت * ولكن أنت تنفخ في الرماد

4 - وعن جعفر بن محمد عن أبيه‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم رش على قبر ابنه إبراهيم ووضع عليه حصباء‏)‏‏.‏

رواه الشافعي‏.‏

5 - وعن أنس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أعلم قبر عثمان بن مظعون بصخرة‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

الحديث الأول مرسل وأخرجه أيضًا سعيد بن منصور والبيهقي من هذا الوجه مرسلًا بهذا اللفظ وزادا‏:‏ ورفع قبره قدر شبر‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن جابر عند البيهقي قال‏:‏ ‏(‏رش على قبر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالماء رشًا فكان الذي رش على قبره بلال بن رباح بدأ من قبل رأسه من شقه الأيمن حتى انتهى إلى رجليه‏)‏ وفي إسناده الواقدي والكلام فيه معروف‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن عامر بن ربيعة تقدم في الباب الأول وروى سعيد بن منصور أن الرش على القبر كان على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وإلى مشروعية الرش على القبر ذهب الشافعي وأبو حنيفة والقاسمية‏.‏ والحديث الثاني أخرجه أيضًا ابن عدي قال أبو زرعة‏:‏ هذا خطأ والصواب رواية من روى عن المطلب بن حنطب وسيأتي‏.‏ وقد رواه الطبراني في الأوسط من حديث أنس بإسناد آخر فيه ضعف ورواه الحاكم في المستدرك في ترجمة عثمان بن مظعون بإسناد آخر فيه الواقدي من حديث أبي رافع فذكر معناه‏.‏

وروى أبو داود من حديث المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب قال‏:‏ ‏(‏لما مات عثمان بن مظعون خرج بجنازته فدفن فأمر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم رجلًا أن يأتي بحجر فلم يستطع حمله فقام إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وحسر عن ذراعيه قال المطلب‏:‏ قال الذي أخبرني كأني أنظر إلى بياض ذراعي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم حين حسر عنهما ثم حملها فوضعها عند رأسه وقال‏:‏ أعلم بها قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وإسناده حسن ليس فيه إلا كثير بن زيد راويه عن المطلب وهو صدوق انتهى‏.‏ والمطلب ليس صحابيًا ولكنه بين أن مخبرًا أخبره ولم يسمه وإبهام الصحابي لا يضر‏.‏ ـ وفيه دليل ـ على جعل علامة على قبر الميت كنصب حجر أو نحوه‏.‏ قال الإمام يحيى‏:‏ فأما نصب حجرين على المرأة وواحدة على الرجل فبدعة قال في البحر‏:‏ قلت لا باس به لقصد التمييز لنصبه على قبر ابن مظعون‏.‏

6 - وعن جابر قال‏:‏ ‏(‏نهى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه ولفظه‏:‏ ‏(‏نهى أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ‏)‏ وفي لفظ النسائي‏:‏ ‏(‏نهى أن يبنى على القبر أو يزاد عليه أو يجصص أو يكتب عليه‏)‏‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا ابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال الحاكم‏:‏ الكتابة وإن لم يذكرها مسلم فهي على شرطه وهي صحيحة غريبة‏.‏ وقال أهل العلم من أئمة المسلمين من المشرق إلى المغرب على خلاف ذلك‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن ابن مسعود ذكره صاحب مسند الفردوس عن الحاكم مرفوعًا‏:‏ ‏(‏لا يزال الميت يسمع الآذان ما لم يطين عليه‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وإسناده باطل فإنه من رواية محمد بن القاسم الطايكاني وقد رموه بالوضع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يجصص القبر‏)‏ في رواية لمسلم‏:‏ ‏(‏عن تقصيص القبور‏)‏ والتقصيص بالقاف وصادين مهملتين هو التجصيص‏.‏ والقصة بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة هي الجص وفيه تحريم تجصيص القبور‏.‏ وأما التطيين فقال الترمذي‏:‏ وقد رخص قوم من أهل العلم في تطيين القبور منهم الحسن البصري والشافعي‏.‏ وقد روى أبو بكر النجاد من طريق جعفر بن محمد عن أبيه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم رفع قبره من الأرض شبرًا وطين بطين أحمر من العرصة‏)‏ وحكى في البحر عن الهادي والقاسم أنه لا بأس بالتطيين لئلا ينطمس‏.‏ وقال الإمام يحيى وأبو حنيفة‏:‏ يكره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأن يقعد عليه‏)‏ فيه دليل على تحريم القعود على القبر وإليه ذهب الجمهور وقال مالك في الموطأ‏:‏ المراد بالقعود الحدث‏.‏ قال النووي‏:‏ وهذا تأويل ضعيف أو باطل والصواب أن المراد بالقعود الجلوس ومما يوضحه الرواية الواردة بلفظ‏:‏ ‏(‏لا تجلسوا على القبور‏)‏ كما سيأتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأن يبنى عليه‏)‏ فيه دليل على تحريم البناء على القبر وفصل الشافعي وأصحابه فقالوا‏:‏ إن كان البناء في ملك الباني فمكروه وإن كان في مقبرة مسبلة فحرام ولا دليل على هذا التفصيل وقد قال الشافعي‏:‏ رأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى ويدل على الهدم حديث علي المتقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأن يكتب عليها‏)‏ فيه تحريم الكتابة على القبور وظاهره عدم الفرق بين كتابة اسم الميت على القبر وغيرها وقد استثنت الهادوية رسم الاسم فجوزوه لا على وجه الزخرفة قياسًا على وضعه صلى اللَّه عليه وآله وسلم الحجر على قبر عثمان كما تقدم وهو من التخصيص بالقياس وقد قال به الجمهور لا أنه قياس في مقابلة النص كما قال في ضوء النهار ولكن الشأن في صحة هذا القياس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأن توطأ‏)‏ فيه دليل على تحريم وطء القبر والكلام فيه كالكلام في القعود عليه ولعل مالكًا لا يخالف هنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو يزاد عليه‏)‏ بوب على هذه الزيادة البيهقي باب لا يزاد عليه القبر أكثر من ترابه لئلا يرتفع‏.‏ وظاهره أن المراد بالزيادة عليه الزيادة على ترابه وقيل المراد بالزيادة عليه أن يقبر ميت على قبر ميت آخر‏.‏

 باب من يستحب أن يدفن المرأة

1 - عن أنس قال‏:‏ ‏(‏شهدت بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم تدفن وهو جالس على القبر فرأيت عيناه تدمعان فقال‏:‏ هل فيكم أحد لم يقارف الليلة فقال أبو طلحة‏:‏ أنا قال‏:‏ فانزل في قبرها فنزل في قبرها‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏ ولأحمد عن أنس‏:‏ ‏(‏أن رقية لما ماتت قال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا يدخل القبر رجل قارف الليلة أهله فلم يدخل عثمان بن عفان القبر‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏ هي أم كلثوم زوج عثمان رواه الواقدي عن طليح بن سليمان وبهذا الإسناد أخرجه ابن سعد في الطبقات في ترجمة أم كلثوم وكذا الدولابي في الذرية الطاهرة والطبري والطحاوي من هذا الوجه ورواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس فسماها رقية كما ذكره المصنف عن أحمد وكذلك أخرجه البخاري في التاريخ الأوسط والحاكم في المستدرك‏.‏ قال البخاري‏:‏ ما أدرى ما هذا فإن رقية ماتت والنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ببدر لم يشهدها‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وهم حماد في تسميتها فقط ويؤيد أنها أم كلثوم ما رواه ابن سعد أيضًا في ترجمة أم كلثوم من طريق عمرة بنت عبد الرحمن قالت‏:‏ نزل في حفرتها أبو طلحة وأغرب الخطابي فقال‏:‏ هذه البنت كانت لبعض بنات النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فنسبت إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم يقارف‏)‏ بقاف وفاء زاد ابن المبارك عن فليح أراه يعني الذنب ذكره البخاري في باب من يدخل قبر المرأة تعليقًا ووصله الإسماعيلي وكذا قال شريح بن النعمان عن فليح أخرجه أحمد عنه‏.‏ وقيل معناه لم يجامع تلك الليلة وبه جزم ابن حزم قال‏:‏ معاذ اللَّه أن يتبجح أبو طلحة عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بأنه لم يذنب تلك الليلة انتهى‏.‏ ويقويه أن في رواية ثابت المذكور بلفظ‏:‏ ‏(‏لا يدخل القبر أحد قارف أهله البارحة فتنحى عثمان‏)‏ وقد استبعد أن يكون عثمان جامع في تلك الليلة التي حدث فيها موت زوجته لحرصه على مراعاة الخاطر الشريف وأجيب عنه باحتمال أن يكون مرض المرأة طال واحتاج عثمان إلى الوقاع ولم يكن يظن موتها تلك الليلة وليس في الخبر ما يقتضي أنه واقع بعد موتها بل ولا حين احتضارها‏.‏

‏(‏والحديث‏)‏ يدل على أنه يجوز أن يدخل المرأة في قبرها الرجال دون النساء لكونهم أقوى على ذلك وأنه يقدم الرجال الأجانب الذين بعد عهدهم بالملاذ في المواراة على الأقارب الذين قرب عهدهم بذلك كالأب والزوج وعلل بعضهم تقدم من لم يقارف بأنه حينئذ يأمن من أن يذكره الشيطان بما كان منه تلك الليلة وحكى عن ابن حبيب أن السر في إيثار أبي طلحة على عثمان أن عثمان كان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة فتلطف صلى اللَّه عليه وآله وسلم في منعه في النزول قبر زوجته بغير تصريح‏.‏ ووقع في رواية حماد المذكورة فلم يدخل عثمان القبر‏.‏

ـ وفي الحديث ـ أيضًا جواز الجلوس على شفير القبر وجواز البكاء بعد الموت‏.‏ وحكى ابن قدامة عن الشافعي أنه يكره لخبر‏:‏ ‏(‏فإذا وجب فلا تبكين باكية‏)‏ يعني إذا مات وهو محمول على الأولوية‏.‏ والمراد لا ترفع صوتها بالبكاء ويمكن الفرق بين النساء والرجال في ذلك لأن بكاء النساء قد يفضي إلى ما لا يحل من النوح لقلة صبرهن‏.‏

 باب آداب الجلوس في المقبرة والمشي فيها

1 - عن البراء بن عازب قال‏:‏ ‏(‏خرجنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولم يلحد بعد فجلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم مستقبل القبلة وجلسنا معه‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

2 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي‏.‏

3 - وعن عمرو بن حزم قال‏:‏ ‏(‏رآني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم متكئًا على قبر فقال‏:‏ لا تؤذ صاحب هذا القبر أو لا تؤذه‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

4 - وعن بشير بن الخصاصية‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم رأى رجلًا يمشي في نعلين بين القبور فقال‏:‏ يا صاحب السبتيتين ألقهما‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا الترمذي‏.‏

حديث البراء سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح على كلام في المنهال بن عمرو وشيخه زاذان‏.‏ وقد أخرجه من هذه الطريق النسائي وابن ماجه‏.‏ وحديث عمرو بن حزم قال الحافظ في الفتح‏:‏ إسناده صحيح‏.‏ وحديث بشير سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات إلا خالد بن نمير فإنه يهم‏.‏ وأخرجه أيضًا الحاكم وصححه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مستقبل القبلة‏)‏ فيه دليل على استحباب الاستقبال في الجلوس لمن كان منتظرًا دفن الجنازة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأن يجلس أحدكم‏)‏ الخ فيه دليل على أنه لا يجوز الجلوس على القبر وقد تقدم النهي عن ذلك وذهاب الجمهور إلى التحريم والمراد بالجلوس القعود وروى الطحاوي من حديث محمد بن كعب قال‏:‏ إنما قال أبو هريرة‏:‏ ‏(‏من جلس على قبر يبول عليه أو يتغوط فكأنما جلس على جمرة‏)‏ قال في الفتح‏:‏ لكن إسناده ضعيف وقال نافع‏:‏ كان ابن عمر يجلس على القبور‏.‏ ومخالفة الصحابي لما روي لا تعارض المروي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تؤذ صاحب القبر‏)‏ هذا دليل لما ذهب إليه الجمهور من أن المراد بالجلوس القعود وفيه بيان علة المنع من الجلوس أعني التأذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏السبتيتين‏)‏ قد تقدم تفسير ذلك في باب تغير الشيب والمراد بها جلود البقر وكل جلد مدبوغ وإنما قيل لها السبتية أخذًا من السبت وهو الحلق لأن شعرها قد حلق عنها‏.‏ وفي ذلك دليل على أنه لا يجوز المشي بين القبور بالنعلين ولا يختص عدم الجواز بكون النعلين سبتيتين لعدم الفارق بينها وبين غيرها‏.‏ وقال ابن حزم‏:‏ يجوز وطء القبور بالنعال التي ليست سبتية لحديث‏:‏ ‏(‏إن الميت يسمع خفق نعالهم‏)‏ وخص المنع بالسبتية وجعل هذا جمعًا بين الحديثين وهو وهم لأن سماع الميت لخفق النعال لا يستلزم أن يكون المشي على قبر أو بين القبور فلا معارضة‏.‏ وقال الخطابي‏:‏ إن النهي عن السبتية لما فيها من الخيلاء ورد بأن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يلبسها كما تقدم في

باب تغيير الشيب

 باب الدفن ليلًا

1 - عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏مات إنسان كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يعوده فمات بالليل فدفنوه ليلًا فلما أصبح أخبروه فقال‏:‏ ما منعكم أن تعلموني قالوا‏:‏ كان الليل فكرهنا وكانت ظلمة أن نشق عليك فأتى قبره فصلى عليه‏)‏‏.‏

رواه البخاري وابن ماجه‏.‏ قال البخاري‏:‏ ودفن أبو بكر ليلًا‏.‏

2 - وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏ما علمنا بدفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من آخر الليل ليلة الأربعاء‏)‏ قال محمد بن إسحاق‏:‏ والمساحي المرور‏.‏

رواه أحمد‏.‏

3 - وعن جابر قال‏:‏ ‏(‏رأى ناس نارًا في المقبرة فأتوها فإذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في القبر يقول‏:‏ ناولوني صاحبكم وإذا هو الذي كان يرفع صوته بالذكر‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

حديث ابن عباس أخرجه أيضًا مسلم وقد روى نحوه عن جماعة من الصحابة قدمنا ذكرهم في باب الصلاة على الغائب وقدمنا شرح هذا الحديث والاختلاف في اسم هذا الإنسان المبهم هنالك‏.‏ ودفن أبي بكر بالليل ذكره البخاري تعليقًا في باب الدفن في الليل ووصله في آخر كتاب الجنائز في باب موت يوم الاثنين من حديث عائشة‏.‏ ولابن أبي شيبة من حديث القاسم بن محمد قال‏:‏ دفن أبو بكر ليلًا‏.‏ ومن حديث عبيد بن السباق أن عمر دفن أبا بكر بعد العشاء الأخيرة قال الحافظ في الفتح‏:‏ وصح أن عليًا دفن فاطمة ليلًا‏.‏ وحديث جابر سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات إلا محمد بن مسلم الطائفي ففيه مقال‏.‏

وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس نحوه ولفظه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم دخل قبرًا ليلًا فأسرج له سراج فأخذه من قبل القبلة وقال‏:‏ رحمك اللَّه إن كنت لأواهًا تلاءً للقرآن‏)‏ قال الترمذي‏:‏ حديث ابن عباس حديث حسن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صوت المساحي‏)‏ هي جمع مسحاة والمسحاة آلة من حديد يجرف بها الطين مشتقة من السحو وهو كشف وجه الأرض والميم فيها زائدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المرور‏)‏ جمع مر بفتح الميم بعدها راء مهملة وهو المسحاة على ما في القاموس‏.‏ وقيل صوت المسحاة على الأرض‏.‏

‏(‏والأحاديث‏)‏ المذكورة في الباب تدل على جواز الدفن بالليل وبه قال الجمهور وكرهه الحسن البصري واستدل بحديث أبي قتادة المتقدم في باب استحباب إحسان الكفن وفيه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم زجر أن يقبر الرجل ليلًا حتى يصلى عليه‏)‏ وأجيب عنه أن الزجر منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إنما كان لترك الصلاة لا للدفن بالليل أو لأجل أنهم كانوا يدفنون بالليل لرداءة الكفن فالزجر إنما هو لما كان الدفن بالليل مظنة إساءة الكفن كما تقدم فإذا لم يقع تقصير في الصلاة على الميت وتكفينه فلا بأس بالدفن ليلًا‏.‏ وقد قيل في تعليل كراهة الدفن بالليل أن ملائكة النهار أرأف من ملائكة الليل ولم يصح ما يدل على ذلك‏.‏

 باب الدعاء للميت بعد دفنه

1 - عن عثمان قال‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال‏:‏ استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسئل‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

2 - وعن راشد بن سعد وضمرة بن حبيب وحكيم بن عمير قالوا‏:‏ ‏(‏إذا سوى على الميت قبره وانصرف الناس عنه كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره يا فلان قل لا إله إلا اللَّه أشهد أن لا إله إلا اللَّه ثلاث مرات يا فلان قل ربي اللَّه وديني الإسلام ونبي محمد صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثم ينصرف‏)‏‏.‏

رواه سعيد في سننه‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضًا الحاكم وصححه والبزار وقال‏:‏ لا يروى عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلا من هذا الوجه‏.‏ والأثر المروي عن راشد وضمرة وحكيم ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه وراشد المذكور شهد صفين مع معاوية ضعفه ابن حزم وقال الدارقطني‏:‏ يعتبر به‏.‏ والثلاثة كلهم من قدماء التابعين حمصيون‏.‏ وقد روى نحوه مرفوعًا من حديث أبي أمامة عند الطبراني وعبد العزيز الحنبلي في الشافي أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن نصنع بموتانا أمرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل يا فلان بن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيب ثم يقول يا فلان بن فلانة فإنه يستوي قاعدًا ثم يقول يا فلان بن فلانة فإنه يقول أرشدنا يرحمك اللَّه ولكن لا تشعرون فليقل اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا عبده ورسوله وأنك رضيت باللَّه ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًا وبالقرآن إمامًا فإن منكرًا ونكيرًا يأخذ كل واحد بيد صاحبه ويقول انطلق بنا ما يقعدنا عند من لقن حجته فقال رجل‏:‏ يا رسول اللَّه فإن لم يعرف أمه قال‏:‏ ينسبه إلى أمه حواء يا فلان بن حواء‏)‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ وإسناده صالح وقد قواه الضياء في أحكامه‏.‏ وفي إسناده سعيد الأزدي بيض له أبو حاتم وقال الهيثمي بعد أن ساقه‏:‏ في إسناده جماعة لم أعرفهم انتهى‏.‏ وفي إسناده أيضًا عاصم بن عبد اللَّه وهو ضعيف‏.‏ قال الأثرم‏:‏ قلت لأحمد هذا الذي يصنعونه إذا دفن الميت يقف الرجل ويقول يا فلان بن فلانة قال‏:‏ ما رأيت أحدًا يفعله إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة روى فيه عن أبي بكر بن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه وكان إسماعيل ابن عياش يرويه يشير إلى حديث أبي أمامة انتهى‏.‏ وقد استشهد في التلخيص لحديث أبي أمامة بالأثر الذي رواه سعيد بن منصور وذكر له شواهد أخر خارجة عن البحث لا حاجة إلى ذكرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا فرغ من دفن الميت‏)‏ الخ فيه مشروعية الاستغفار للميت عند الفراغ من دفنه وسؤال التثبيت له لأنه يسئل في تلك الحال وفيه دليل على ثبوت حياة القبر وقد وردت بذلك أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر وفيه أيضًا دليل على أن الميت يسئل في قبره وقد وردت به أيضًا أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهما وورد أيضًا ما يدل على أن السؤال في القبر مختص بهذه الأمة كما في حديث زيد بن ثابت عن مسلم إن هذه الأمة تبتلى في قبورها وبدلك جزم الحكيم الترمذي‏.‏ وقال ابن القيم‏:‏ السؤال عام للأمة وغيرها وليس في الأحاديث ما يدل على الاختصاص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن راشد وضمرة‏)‏ هما تابعيان قديمان وكذلك حكيم ابن عمير وكل الثلاثة من حمص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كانوا يستحبون‏)‏ ظاهره إن المستحب لذلك الصحابة الذين أدركوهم وقد ذهب إلى استحباب ذلك أصحاب الشافعي‏.‏

 باب النهي عن اتخاذ المساجد والسرج في المقبرة

1 - عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ قاتل اللَّه اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2 - وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏لعن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا ابن ماجه‏.‏

الحديث الثاني حسنه الترمذي وفي إسناده أبو صالح باذام ويقال باذان مولى أم هانئ بنت أبي طالب وهو صاحب الكلبي‏.‏ وقي قيل إنه لم يسمع من ابن عباس وقد تكلم فيه جماعة من الأئمة قال ابن عدي‏:‏ ولا أعلم أحدًا من المتقدمين رضيه‏.‏ وقد روي عن يحيى بن سعيد أنه كان يحسن أمره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قاتل اللَّه اليهود‏)‏ زاد مسلم والنصارى ومعنى قاتل قتل وقيل لعن فإنه قد ورد بلفظ اللعن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اتخذوا‏)‏ جملة مستأنفة على سبيل البيان لموجب المقاتلة كأنه قيل ما سبب مقاتلتهم فأجيب بقوله اتخذوا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مساجد‏)‏ ظاهره أنهم كانوا يجعلونها مساجد يصلون فيها وقيل هو أعم من الصلاة عليها وفيها وقد أخرج مسلم‏:‏ ‏(‏لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها أو عليها‏)‏ وروى مسلم أيضًا‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال ذلك في مرضه الذي مات منه قبل موته بخمس وزاد فيه فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك‏)‏ وفيه دليل على تحريم اتخاذ القبور مساجد وقد زعم بعضهم إن ذلك إنما كان في ذلك الزمان لقرب العهد بعبادة الأوثان ورده ابن دقيق العيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لعن اللَّه زائرات القبور‏)‏ فيه تحريم زيارة القبور للنساء وسيأتي الكلام على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والسرج‏)‏ فيه دليل على تحريم اتخاذ السرج على المقابر لما يفضي إليه ذلك من الاعتقادات الفاسدة كما عرفت مما تقدم‏.‏

 باب وصول ثواب القرب المهداة إلى الموتى

1 - عن عبد اللَّه بن عمرو‏:‏ ‏(‏أن العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة وأن هشام بن العاص نحر حصته خمسين وأن عمرًا سأل النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن ذلك فقال‏:‏ أما أبوك فلو أقر بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

2 - وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن رجلًا قال للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إن أبي مات ولم يوص أفينفعه أن أتصدق عنه قال‏:‏ نعم‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه‏.‏

3 - وعن عائشة‏:‏ ‏(‏أن رجلًا قال للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إن أمي افتلتت نفسها وأراها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها قال‏:‏ نعم‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

4 - وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن رجلًا قال لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إن أمي توفيت أينفعها إن تصدقت عنها قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فإن لي مخرفًا فأنا أشهدك أني قد تصدقت به عنها‏)‏‏.‏

رواه البخاري والترمذي وأبو داود والنسائي‏.‏

5 - وعن الحسن عن سعد بن عبادة‏:‏ ‏(‏أن أمه ماتت فقال‏:‏ يا رسول اللَّه إن أمي ماتت فأتصدق عنها قال‏:‏ نعم قلت‏:‏ فأي الصدقة أفضل قال‏:‏ سقي الماء قال الحسن‏:‏ فتلك سقاية آل سعد بالمدينة‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي‏.‏

حديث سعد رجال إسناده عند النسائي ثقات ولكن الحسن لم يدرك سعدًا وقد أخرجه أيضًا أبو داود وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نحر حصته خمسين‏)‏ إنما كانت حصته خمسين لأن العاص بن وائل خلف ابنين هشامًا وعمرًا فأراد هشام أن يفي بنذر أبيه فنحر حصته من المائة التي نذرها وحصته خمسون وأراد عمرو أن يفعل كفعل أخيه فسأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فأخبره أن موت أبيه على الكفر مانع من وصول نفع ذلك إليه وأنه لو أقر بالتوحيد لأجزأ ذلك عنه ولحقه ثوابه ‏(‏وفيه دليل‏)‏ على أن نذر الكافر بما هو قربة لا يلزم إذا مات على كفره وأما إذا أسلم وقد وقع منه نذر في الجاهلية ففيه خلاف والظاهر أنه يلزمه الوفاء بنذره لما أخرجه الشيخان من حديث ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن عمر قال‏:‏ يا رسول اللَّه إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال له صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ أوف بنذرك‏)‏ وفي ذلك أحاديث يأتي ذكرها في باب من نذر وهو مشرك من كتاب النذور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نفعه ذلك‏)‏ فيه دليل على أن ما فعله الولد لأبيه المسلم من الصوم والصدقة يلحقه ثوابه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏افتلتت‏)‏ بضم المثناة بعد الفاء الساكنة وبعدها لام مكسورة على صيغة المجهول ماتت فجأة كذا في القاموس‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏نفسها‏)‏ بالضم على الأشهر نائب مناب الفاعل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأراها‏)‏ بضم الهمزة بمعنى أظنها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن لي مخرفًا‏)‏ في رواية مخراف والمخرف والمخراف الحديقة من النخل أو العنب أو غيرهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال سقي الماء‏)‏ فيه دليل على أن سقي الماء أفضل الصدقة‏.‏ ولفظ أبي داود‏:‏ ‏(‏فأي الصدقة أفضل قال‏:‏ الماء فحفروا بئرا وقال هذه لأم سعد‏)‏ ‏[‏ص 142‏]‏ وأخرج هذا الحديث الدارقطني في غرائب مالك‏.‏ وقد أخرج الموطأ من حديث سعيد بن سعد بن عبادة‏:‏ ‏(‏أنه خرج سعد مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في بعض مغازيه وحضرت أمه الوفاة بالمدينة فقيل لها أوصي فقالت فيما أوصي والمال مال سعد فتوفيت قبل أن يقدم سعد‏)‏ فذكر الحديث‏.‏ وقد قيل أن الرجل المبهم في حديث عائشة وفي حديث ابن عباس هو سعد بن عبادة ويدل على ذلك أن البخاري أورد بعد حديث عائشة حديث ابن عباس بلفظ‏:‏ ‏(‏أن سعد بن عبادة قال‏:‏ إن أمي ماتت وعليها نذر‏)‏ وكأنه رمز إلى أن المبهم في حديث عائشة هو سعد‏.‏

وأحاديث الباب تدل على أن الصدقة من الولد تلحق الوالدين بعد موتهما بدون وصية منهما ويصل إليهما ثوابها فيخصص بهذه الأحاديث عموم قوله تعالى ‏{‏وأن ليس للإنسان إلا ما سعى‏}‏ ولكن ليس في أحاديث الباب إلا لحوق الصدقة من الولد وقد ثبت أن ولد الإنسان من سعيه فلا حاجة إلى دعوى التخصيص وأما من غير الولد فالظاهر من العمومات القرآنية أنه لا يصل ثوابه إلى الميت فيوقف عليها حتى يأتي دليل يقتضي تخصيصها‏.‏ وقد اختلف في غير الصدقة من أعمال البر هل يصل إلى الميت فذهبت المعتزلة إلى أنه لا يصل إليه شيء واستدلوا بعموم الآية‏.‏ وقال في شرح الكنز‏:‏ إن للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة كان أو صومًا أو حجًا أو صدقة أو قراءة قرآن أو غير ذلك من جميع أنواع البر ويصل ذلك إلى الميت وينفعه عند أهل السنة انتهى‏.‏ والمشهور من مذهب الشافعي وجماعة من أصحابه أنه لا يصل إلى الميت ثواب قراءة القرآن وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعي أنه يصل كذا ذكره النووي في الأذكار‏.‏ وفي شرح المنهاج لابن النحوي لا يصل إلى الميت عندنا ثواب القراءة على المشهور والمختار الوصول إذا سأل اللَّه إيصال ثواب قراءته وينبغي الجزم به لأنه دعاء فإذا جاز الدعاء للميت بما ليس للداعي فلأن يجوز بما هو له أولى ويبقى الأمر فيه موقوفًا على استجابة الدعاء وهذا المعنى لا يختص بالقراءة بل يجري على سائر الأعمال والظاهر أن الدعاء متفق عليه أنه ينفع الميت والحي القريب والبعيد بوصية وغيرها‏.‏ وعلى ذلك أحاديث كثيرة بل كان أفضل الدعاء أن يدعو لأخيه بظهر الغيب انتهى‏.‏

وقد حكى النووي في شرح مسلم الإجماع على وصول الدعاء إلى الميت وكذا حكى الإجماع أيضًا على أن الصدقة نقع عن الميت ويصل ثوابها ولم يقيد ذلك بالولد‏.‏ وحكى أيضًا الإجماع على لحوق قضاء الدين والحق أنه يخصص عموم الآية بالصدقة من الولد كما في أحاديث الباب وبالحج من الولد كما في خبر الخثعمية ومن غير الولد أيضًا كما في حديث المحرم عن أخيه شبرمة ولم يستفصله صلى اللَّه عليه وآله وسلم هل أوصى شبرمة أم لا وبالعتق من الولد كما وقع في البخاري في حديث سعد خلافًا للمالكية على المشهور عندهم وبالصلاة من الولد أيضًا لما روى الدارقطني‏:‏ ‏(‏أن رجلًا قال‏:‏ يا رسول اللَّه إنه كان لي أبوان أبرهما في حال حياتهما فكيف لي ببرهما بعد موتهما فقال صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إن من البر بعد البر أن تصلي لهما مع صلاتك وأن تصوم لهما مع صيامك‏)‏ وبالصيام من الولد لهذا الحديث‏.‏ ولحديث عبد اللَّه بن عمرو المذكور في الباب‏.‏ ولحديث ابن عباس عند البخاري ومسلم‏:‏ ‏(‏أن امرأة قالت‏:‏ يا رسول اللَّه إن أمي ماتت وعليها صوم نذر فقال‏:‏ أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها قالت‏:‏ نعم قال‏:‏ فصومي عن أمك‏)‏ وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي من حديث بريدة‏:‏ ‏(‏أن امرأة قالت‏:‏ إنه كان على أمي صوم شهر أفأصوم عنها قال‏:‏ صومي عنها‏)‏ ومن غير الولد أيضًا لحديث‏:‏ ‏(‏من مات وعليه صيام صام عنه وليه‏)‏ متفق عليه من حديث عائشة وبقراءة يس من الولد وغيره لحديث‏:‏ ‏(‏اقرؤوا على موتاكم يس‏)‏ وقد تقدم وبالدعاء من الولد لحديث‏:‏ ‏(‏أو ولد صالح يدعو له‏)‏ ومن غيره لحديث‏:‏ ‏(‏استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسئل‏)‏ وقد تقدم‏.‏ ولحديث‏:‏ ‏(‏فضل الدعاء للأخ بظهر الغيب‏)‏ ولقوله تعالى ‏{‏والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان‏}‏ ولما ثبت من الدعاء للميت عند الزيارة كحديث بريدة عند مسلم وأحمد وابن ماجه قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا قائلهم السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء اللَّه بكم لاحقون نسأل اللَّه لنا ولكم العافية‏)‏ وبجميع ما يفعله الولد لوالديه من أعمال البر لحديث‏:‏ ‏(‏ولد الإنسان من سعيه‏)‏ وكما تخصص هذه الأحاديث الآية المتقدمة كذلك يخصص حديث أبي هريرة عند مسلم وأهل السنن قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له‏)‏ فإن ظاهره أنه لا ينقطع عنه ما عدا هذه الثلاثة كائنًا من كان‏.‏ وقد قيل إنه يقاس على هذه المواضع التي وردت بها الأدلة غيرها فيلحق الميت كل شيء فعله غيره‏.‏ وقال في شرح الكنز‏:‏ إن الآية منسوخة بقوله تعالى ‏{‏والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم‏}‏ وقيل الإنسان أريد به الكافر وأما المؤمن فله ما سعى إخوانه‏.‏ وقيل ليس له من طريق العدل وهو له من طريق الفضل وقيل اللام بمعنى على كما في قوله تعالى ‏{‏ولهم اللعنة‏}‏ أي وعليهم انتهى‏.‏